31 مايو 2009

مدينة البوكمال





















البوكمال مدينة سورية تقع شرق البلاد تابعة لمحافظة دير الزور على ضفاف نهر الفرات وهي منطقة حدودية يمر عبرها نهر الفرات ، عدد سكان المنطقة ككل بحدود  350,000 نسمة.
تأسست مدينة البوكمال عام 1864 م بعد أن كانت قرية صغيرة تسمى النحامة وتقع في منطقة سهلية على الضفة اليمنى لنهر الفرات في الجهة الشرقية من سوريا وترتفع عن سطح البحر بمقدار 165 متر وعلى خط عرض 532 شمال خط الاستواء ومناخها شبه صحراوي ومعدل أمطارها السنوي 150 مم ومساحتها 2000 هكتار وعدد سكان مركز المدينة تقريبا 116 ألف نسمة .



وديان البوكمال:
·وادي علي وسمي شعيب الرتقة ويتشكل مكن منطقة الحمّاد في البادية ويصب في جنوب البوكمال على نهر الفرات.
·وادي بقيع ويأتي من البوادي القريبة من البوكمال وينتهي في السكرية ويهدد فيضانه قريتي الغبرة والسيال.
·وادي صواب في البادية وترفده وديان كثيرة قبل أن يصب في نهر الفرات ومنها سويحل في قرية العباس.

















نهر دورين:
كثيراً ما يجهل أبناء المنطقة هذا النهر الذي أمرت بشقه ملكة الباغوز آنذاك حيث ما زالت بقايا المجرى قائمة حتى الآن أسفل كهف الباغوز الشهير ودورين هي ملكة الباغوز التي أرادت أن يكون هناك فرعاً خاصاً من نهر الفرات يصل إلى الباغوز دون المرور من مملكة العموريين (ماري حالياً) ويجري بمحاذاة جبل الباغوز ليصب خارج حدود مملكة الباغوز.


محاصيل زراعية:
يعتبر القطن من المحاصيل الهامة والأساسية في المنطقة بالإضافة إلى القمح بأنواعه والشعير والسمسم والذرة بنوعيها والقنب والعدس والشوندر السكري والبامية والباذنجان والبندورة (الطماطم) والكوسا والقرع والفول والفستق والخس والفجل والبصل والبقدونس والنعناع والجزر والفلفل واللهانة والثوم والحمص وأنواع أخرى متعددة وكثيرة صيفاً وشتاء.

الثمار والفواكه:
تكاد تمتد مساحة المزروعات والأشجار في كل شبر من المنطقة وفيها الكثير من البساتين وأشجار النخيل و التفاح والمشمش والتوت والكمثرى والكرز والبرتقال والليمون والعنب والرمان والتين والأجاص والخوخ وأنواع أخرى كثيرة تملأ البساتين على امتداد ضفتي نهر الفرات العظيم.
أسماك نهر الفرات:
يشتهر نهر الفرات ومنذ قديم العصور التاريخية بأنواع عديدة من أسماك المياه العذبة قل مثيلها في العالم كالفرخ (الجزر) والبوري والبني والرومي والمجنس والخشيني وأبو الزنير والجري وأبو حليق والمشط والكادب والتريس بالإضافة إلى السلاحف الضخمة التي تسمى الرفش.


الكمأة (الفقع):
عندما يكون موسم الأمطار وفيراً تعتبر بادية البوكمال من أجود الأراضي التي ينمو بها فطر الكمأة الشهير بجودته ولذته حيث يكثر في شهري نيسان وأيار (أبريل ومايو) بأنواعه الأحرق والزبيدي والجب والشيوخ والهور وباقي الفطريات الربيعية ويقول الشاعر عبد الله الفاضل:

هلي يا أهل المحمّس والبريجي
وقهوة غيركم حنظل بريجي
هلي يا الغيمة البيها بريجي
ومطلع قاعها فطر وجما

طيور صحارى وبادية البوكمال:
القطا والكدري وعبيد القطا والحبارى والرخم والصقر والجوسيه والوكري والحجل والحبرم والحمام البري والباشق وأبو جراد والنسر والخضر والسنونو والصعو والمطواق والزرزور وحمام السواح والزاغ والعقعق والعقاب وغيرها الكثير.
طيور مائية على نهر الفرات:نهر الفرات العظيم جنة ترتادها أعداد هائلة من الطيور في كل الفصول حيث تجد الدفء والطعام الوفير والبيئة الملائمة كالبط والأوز والمنيّل وصويلحة وطبن والقطا والكركي وحمام أزرق والواغ والنورس والتعاجة والشرشوحة والعصافير والبلابل وعروس الشمس.



مأكولات شعبية: احتفظ البوكمال ببعض الأكلات التراثية المميزة فإذا كانت البامية هي الأكلة الأكثر شهرة وانتشاراً فإن الماضي القريب ما يزال يذكر بالكشك والفورة وعيش فاطمة والحبيّه والكليجة والباجات والثردة والحريرة والسلق والمشحمية والمحلبي والمصارين والسلاق .
المدقوقة: أكلة شعبية تراثية في البوكمال مادتها الأساسية التمر والسمسم حيث يتم وضعهما في وعاء خشبي يسمى الجاون ويقوم مجموعة من النساء في التعاقب في دق التمر والسمسم داخل الجاون بواسطة المهباشة حتى يمتزج بشكل جيد ثم يتم تقطيعه إلى أجزاء بحجم البيضة ويقدم في كل الأوقات.
الحنيني:أكلة شعبية معروفة جداً في البوكمال وخصوصاً في شهر رمضان المبارك حيث تتكون من تمور من النوع الممتاز وغالباً ما تكون خستاوي حيث يوضع السمن العربي في مقلاة حتى يذوب بشكل جيد ثم يضاف إليه التمر ويخلط جيداً ويقدم ساخناً، والبعض يضيف إليه البيض العربي أيضاً.
الخويتم:لعبة شعبية معروفة في البوكمال وخاصة في فصل الشتاء حيث يجتمع الأصدقاء ويتقابلون على شكل مجموعتين يتم تحديد الرابح والخاسر على عدد الليالي المتفق عليها حيث يقوم أحد الفريقين بإخفاء خاتم ذهبي صغير بين أيادي نفس الفريق بعد أن يضعوا بطانية كبيرة تحجب عن الفريق الآخر رؤية الخاتم في أية يد ثم يقوم شخص من الفريق الآخر محاولاً معرفة الخاتم من بين الأيادي المغلقة الممدودة حتى تتم معرفة مكان الخاتم بعد عدة محاولات.

أسس البوكمال (المدينة) مجموعة من العانيين المهاجرين إلى هذه المنطقة مــن (عانة) تبعد عن الحدود السورية (القائم) مئة وخمس كم ويـُذكر منهم :-
( صالح الزرزور- سيد مصطفى العز الدين- سيد خليفة الزعين - محمد النقيب- ساير الجاسم- مُلا حميِّد الخضر).. وآخرون قادمون من أنحاء شتى يُذكر منهم
( خلف الحداد- أحمد السراج- الحاج محمود موصللي).
وقد كانت البوكمال آنذاك قرية صغيرة تسمى ( النحامة) .
وقد كان (درويش أفندي) أول قائم مقام للبوكمال في عهد الأتراك وهو أول من بنى مسجداً في البوكمال ( مسجد البوكمال القديم) وقد دُفن في باحته تقديراً له.
والبوكمال من المدن الحديثة نسبياً حيث يزيد عمرها عن 130سنة فقد قامت عام 1864 وكانت مركزا عسكرياً للقوات التركية وكانت تسمى (القشلة) والتي تعني باللغة التركية الثكنة العسكرية .
الموقع : تقع المدينة في الجهة الشرقية من القطر العربي السوري وعلى الضفة اليمنى لنهر الفرات وفي منطقة سهلية وتقع على خط عرض 532 شمال خط الاستواء وترتفع عن سطح البحر بمقدار 165 متر . تتبع لمحافظة دير الزور وتبعد عنها بمقدار 140 كم وتتمتع بمناخ شبه صحراوي صيفها حار طويل وجاف وشتاؤها بارد وقصير امطارها قليلة لاتتجاوز وسطياً 150مم سنوياً مساحتها : 2000 هكتار .
لقد قامت في الفرات الأوسط أسمى الحضارات في التاريخ ، ولازالت تتكشف في روابيه اثارهامة ، منها مملكة ماري العريقة ... وكانت المنطقة معبراً من معابر طريق الحرير الذي كان يصل الشرق بالغرب خاض فيها خالد بن الوليد معركة مع الروم ، وكانت الشام والعراق والجزيرة في مثلث من الارض تلتقى عنده طرق المواصلات لثلاثة اقاليم عربية الشام ( سورية حتى البحر المتوسط ) ، العراق ، الجزيرة السورية .

الاسم ومعناه

كانت البوكمال (أبو كمال) قرية تسمى النحامه ولا تزال الارض موجودة وتحمل نفس الاسم وعلى زمن الاحتلال العثماني للمنطقة كانت تتعرض القوافل التجارية والمسافرة من والى العراق إلى الغزو فقامت الدولة العثمانية بانشاء ثكنة عسكرية لحماية القوافل وكان المسؤل عنها (أبو كمال درويش افندي ) والتسمية القديمه للمنطقة بعد النحامه ( القشلة ) ولا يزال البعض من اهل المنطقة يسمونها (القشلة ) في وقتنا هذا ولا يوجد اي دليل على ان التسمية جائت نسبة إلى العقيدات اذ ان العقيدات والقبائل الاخرى كانو تجمعات صغيره ويعيشون حياة البداوه وكان لا يزال قبر أبو كمال موجود في مسجد البلده ( الجامع الكبير ) إلى ان قامة وزارة الاوقاف بتجديد المسجد وبالتالي ازالة القبر في الفترة الاخيرة ومن هنا جائت التسمية (القشلة) وهي تسمية تركية للثكنة العسكرية

البوكمال في العهد العثماني :
شهدت منطقة البوكمال المرحلة الاخيرة من حياة الدولة العثمانية في الوطن العربي ولعلها الفترة العصيبة في حياة الامة السورية بشكل عام والبوكمال بشكل خاص ، حيث المجاعات والحروب ، وسياسة التتريك التي اتبعتها جماعة الاتحاديين منذ عام 1909 م ، وبطبيعة الحال نالت منطقة البوكمال نصيبها من هذه السياسة ، وتلاحقت الأحداث حتى أطيح بالسلطان عبد الحميد، فأنحرفت الدولة عن مسارها الاسلامي السابق ، وعاث قناصلة الدول الغربية الفساد في أجهزة الدولة ، ووجه الجيش العثماني في الولايات البعيدة للبطش والقمع ، وتفشت الرشوة ، وشاع الفساد وفرضت وزارة المعارف اللغة التركية في مدارس الوطن العربي ومنها مدارس البوكمال ، ولم يمضى عام 1916م إلا ونخبة من الشباب العربي تعلق على أعواد المشانق في دمشق .
كما ألحقت حروب الدولة العثمانية في البلقان الضرر بكافة الولايات، ويتمت ألاف الاطفال ، وأضطرب حبل الامن في البادية والأرياف ، وأختلفت نظرة الناس في الحرب فمنهم من راى فيها حربا مقدسة لايجوز التخلف عنها ، ومنهم من تخلف عنها ، وابتعدت القبائل الرحل عن المدن والعمران هربا من التجنيد ، وتسلح كثير من الناس ليدفع عن نفسه هجمات حملات التجنيد الاجبارية ودفع أهل المدن العربية خيرة شبابهم إلى هذه الحرب وكثيرا منهم لم يعد إلى بلاده .
قال وصفى زكريا الذي أرتحل على عربات تجرها الخيول والبغال من البوكمال إلى حلب واصفا الطريق : ( كنت لاترى عليه إلا جنود الحكومة ، وتوارى الناس خوفا من الجنديه إلا من كان زبيديا يضع الدبوس على صدره وبندقيته في يده متحديا السلطة في وضع النهار).
وبسبب الحرب قامت الحكومة التركية بجمع الارزاق والغلال من الفلاحين الفراتيين في سوريا ونقلتها تمويناً للجيوش على الجبهات ، وترافق ذلك سنين قحط مجدبة ، فحصلت مجاعة رهيبة بلغت ذروتها عام 1916 ، ولايزال الناس يسمونها : سنة الجوع وتشبث بالحياة كثيرون وهم يقتاتون أوراق النبات ، ومسحوق الذرة ، وأصبح رغيف الخبز دواء لكل مريض يحـتضر عـلى فراش الموت ، ومن يملك قوتا من الطحين فهــو يتأبطه في وعاء من الجلد يدعـــى ( الظبيه ) وكان لايفارقه أبداً ، "لأنه بذلك يفارق الحياة . واذا ذكر محسن لديه فائض من الطعام تجد الجياع يتجمهرون أمام بيته طلباً للإحسان .
لقد تقاسم أهل منطقة البوكمال([1]) لقمة العيش بأخوة منقطعة النظير في الفترات العصيبة ، وأعان غنيهم فقيرهم ، ولايزال الناس يتناقلون قصص المجاعة الكبرى عام 1916 ايام العثمانيون بألم وحسرة .
نهاية العثمانين وغروبهم عن البوكمال
غادر الجيش التركي البوكمال كجزء من سنجق دير الزور عام 1918، وكانت طوابير الجيش المنسحب تمر على الطريق المحاذى للنهر بجانبيه الشرقي والغربي ، وتعرضت للهجوم من قبل البدو وأهل الأرياف في البوادي السورية طمعاً بتخليصهم البنادق والحصول على غنائم واسحلة من القوات التركية المنسحبة .
( العـصملية ) الالمانيـــة المعروفة . تم الانسحاب بعـــد أن خسرت تركيا الحرب العالمية الاولـــــى (1914- 1918) مع ألمانيا من جهة والحلفاء من جهة اخرى ، في وقت قامت الثورة العربية الكبرى مناصرة للأوربيين الذين اعطوا الشريف حسين كامل الوعود باستقلال العرب وبعد ذلك وصلت مفارز جيش الشريف حسين في 7 كانون الاول عام 1918 وهي تحمل معها التشكيلات الادارية ، فعين مرعى الملاح متصرفا ، وعلى العسكري قائداً للجيش .
ولكن بريطانيا والاوربيين قد تنكروا لوعودهم للعرب وقسموا الديار بمعاهدة ( سايكس بيكو) الملعونة وها هي الطائرات البريطانية تلقى المناشير فوق المدن ومن قرى الفرات ومنطقة لجزيرة السورية ، وتناشد زعماء العشائر بأسمائهم الاستسلام وعدم التعرض للجيش الإنكليزي الذي يزحف على طول الفرات قادماً من الجنوب .
وهكذا طويت صفحة حالكة السواد في تاريخ سورية والمنطقة ، وبدأت صفحة أخرى فتدفقت الجيوش الغربية إلى الفرات من كل مكان ، وتصارع الإنكليز والفرنسيون على محافظة دير الزور ، وساموا أهلها صنوفا من العذاب وبعد خروج الإنجليز بقي الفرنسين وقامت الثورات ضدهم في كافة المناطق والبلاد في الفرات حتى جلو عام 1945 م مدحورين من سوريا .
والحمد لله .
الإنجليز في دير الزور

تقاسم الإنجليز والفرنسين سورية والمنطقة واحتل الإنجليز بغداد في 11 آذار عام 1917 بعد أن كانوا محاصرين في الجنوب منذ عام 1914 وأخذوا يتحركون ببطء نحو الشمال على طول الفرات وفي الحبانية ( سن الذبان ) أقاموا أضخم قاعدة لهم ، ومن هذه القاعدة خططوا لاستكمال احتلالهم للفرات وفقاً لمعاهدة سايكس بيكو ودخول سوريا .
استخدم الإنكليز الحرب النفسية والجواسيس ، ففي كل مدينة يحتلونها يرمون في أسواقها الأرزاق والخيرات من الأرز والشاي وسكر (البرقان) والسمن بأسعار رمزية ، فتدافع الناس الذين عضتهم المجاعة لشرائها ، وخصص الإنكليز للبيوت المشهورة كميات من الأرزاق مجاناً، فأخذ ضعاف النفوس يلهجون بذكر الإنكليز وسرت أخبار الأرزاق التي وفروها للمناطق المحتلة مع المسافرين على طول الفرات. وتبين أن الإنكليز كانو يتصرفون في المنطقة وهم على دراية تامة بأحوال البلاد والعباد، كما تبين أنهم كانوا يقيمون شبكة من الجاسوسية في طول الفرات وعرضه، لجمع المعلومات بواسطة الرحالة وضباط المخابرات أمثال لورنس المنسوب للعرب إفكاً، والكابتن لجمه (نجيمان) عام 1913.
عرفت البوكمال نجيمان أحد الدراويش ينام في المساجد ، ويتسول في القرى ، ويبيع لعب الأطفال ويهيم على وجهه في الطرقات مصطنعاً البلاهة وشرود الذهن ، ولطوله الفارع كان يلقبه بعض الناس: بالحاج لقلق . عاد نجيمان مرشداً للحملة الإنكليزية التي غزت الفرات السوري عام 1919.

أديب الشيشكلي في البوكمال

كان أديب الشيشكلي او ( اديب الجيجكلي ) في عام 1941 قائد موقع ( أبوكمال) في القوات السورية وقد قام بإطلاق سراح الثوار الذين شاركوا رشيد عالي الكيلاني في انقلابه ضد الاسره الملكية العراقية في نيسان 1941 حيث عادت مجموعة من الثوار السوريون والعرب المؤيدة لرشيد عالي الكيلاني بعد فشل الانقلاب إلى سورية عن طريق الحدود العراقية المتاخمة لمنطقة (أبوكمال). وقد كان أحد ضباط جيش الانقاذ الذي شارك في حرب فلسطين عام 1948. وقد حكم سوريا في الفترة من 15 يوليو 1953 إلى 24 فبراير 1954. وقدم استقالته في 25 فبراير 1954 وغادر سوريا إلى البرازيل وأغُتيل(2) في مدينة سيرس البرازيلية في 9 تشرين الاول عام 1964.
ثورة 1919 في البوكمال
شبت نار الثورة في البوكمال وكل سنجق دير الزور ، وأمتدت إلى بقية أرجاء محافظة دير الزور بسبب الظلم الذي مارسه الجيش الإنكليزي في المنطقة ، وقد دون الأستاذ المهندس الزراعي وصفي زكريا الذي كان موجوداً في المنطقة بعض نتائج وأسباب هذه الثورة قال : وقد أدركت ذلك لما كنت في ظهرانيهم بمهمة مكافحة الجراد عام 1916، فما إن انسحب الترك سنة 1918م حتى ثاروا على الإنكليز الذين كانوا قد وصلوا من العراق إلى هذه الأنحاء . وجرت معارك عديدة في الصالحية ووادي علي وتل المدكوك في شتاء عام 1919 وربيعها ، دارت الدائرة فيها على الإنكليز وقتل منهم مئات ، رغم طائراتهم وسياراتهم المدرعة ، وقد أسقط العقيدات يومئذ عدداً من هذه الطائرات ، واستولوا على عدد من تلك السيارات ،وذبحوا ركابها ، فانسحب الإنكليز إلى وراء الحد الذي نصبوه في القائم ، وتركو البلاد لأهليها وللحكومة الفيصلية في دمشق .
معركة النسورية : (الذبحة)
تمركزت القوات الإنكليزية في قلعة الصالحية ، وفي دير الزور وبعد سلسلة من الأحداث الدامية في الدير والميادين والعشارة والبوكمال تأزم الموقف، ولم يعد يجرؤ الجيش الإنكليزي على استخدام الطرق العامة، بل اكتفى بالطريق القديم الذي يحاذي البادية ، وفي نيسان من عام 1919م قرر الدميم من البوكمال، والشعيطات والمجاودة التصدي للجيش الإنكليزي كما فعل العقيدات في الفرات، وقطع طريق إمداده بين ديرالزور وعانه، خرجوا إلى ظاهر قريتي المسلخة والمجاودة ، وانتشروا في موقع يسمى النسورية على الضفة الغربية من نهر الفرات بمحاذاة البادية.
وفي النسورية وديان وتلال متناثرة ، وأشهر هذه الوديان وادي الذبحة أو وادي جالي ، كما أن أشهر التلال تل النسورية ، وقد خرجت إلى الموقع وقدرت جبهة المعركة التي دارت بخمسة كيلو مترات. احتل الشعيطات القسم الشمالي من الجبهة ، والدميم والمجاودة القسم الأوسط والجنوبي منها . وفي الحقيقة دارت معركة النسورية بين المذكورين والجيش الإنكليزي بالشعيطات ودارت معركة رهيبة خسرها الجيش الإنكليزي في البداية،وقتل فيها ضابط كبير يدعى محلياً بأبي طوق، لطوق معدني كان في عنقه، وبمزيد من التعزيزات داهم الجيش الموقع بكثافة من الآليات وخيالة السيخ، وحاصروا مقاتلاً شرساً من الشعيطات (سنادي السهو) فقتلوه مع مجموعة من الرجال، بعد أن تكدست جثث الجنود حول موقعهم، شن الدميم والشعيطات والمجاودة هجوماً معاكساً، وتمكنوا من القوة المهاجمة، فأبادوا عسكرها ومنهم قتلة سنادي .
وفي اليومين الثاني والثالث عزز الجيش مواقعه بالمدفعية، وحال بين القرى والمقاتلين المتركزين بوادي جالي، وحاصرهم وأبادهم([1]) في اليوم الثالث بعد أن تكبد في المعركة أكثر من مئة جندي ومجموعة من الضباط
وعندما أنتهت المعركة دفن الجنود قرب الموقع ونقل الضباط لدفنهم في البوكمال نفسها .كما قام المجاودة بدفن الشهداء في مدخل الوادي، ولا تـزال قبورهم ماثلة للعـيان وفوقها الصخر حتى اليوم .
جن الإنكليز للخسائر التي تكبدوها في المجرود والنسورية فقاموا بقصف كافة قرى منطقة البوكمال من الشعيطات وهجين حتى السويعية والباغوز بالمدفعية الثقيلة، وبالطائرات فهدموا المنازل وقتلوا كثيراً من الناس وسميت تلك السنة (1919م ) سنة الدان .
وعلى تل مشرف على مدينة البوكمال دفن الإنكليز مجموعة قـتـلت من خيرة ضباطهم الذين دفنوا في قبر جماعي كان يعرف حتى أمد قريب بقبر الإنكليزي .
عندما أيقنت الحكومة البريطانية أن لا مقام لها في الفرات السوري نتيجة لثورة محافظة دير الزور قررت ترك المحافظة نهائياً والانسحاب جنوبا إلى العراق .
قام الإنكليز بالانسحاب من البوكمال في 27 كانون الأول من عام 1919، ولم يطب لهم المقام فيها أكثر من عام واحد . انسحبوا على ثلاثة جبهات في ليلة شاتية، وقاموا بالدفاع من وضع الحركة، والمقاتلون من أبناء عشائر البوكمال يلاحقونهم، فغنموا منهم ثلاثة رشاشات مع مصفحة وقتلوا مجموعة من الجنود . واستمرت المطاردة حتى منطقة القائم والحدود العراقية وهو الحد الذي أقاموه .

البوكمال في عهد الفرنسين

دخلت القوات الفرنسية إلى سورية في تموز عام 1920م بعد معركة ميسلون التي قادها البطل ( يوسف العظمة ) بالقرب من دمشق بقوات تقدر بخمسة وعشرين ألفاً من الرجال المدججين بالسلاح تدعمهم المدرعات والآليات، وكلهم من الجنود الفرنسيين مع مجموعة السنغال الآفارقة . وسرعان ماجندت القوات الفرنسية أربعة آلاف من الجنود السوريين واللبنانيين، ومئتين وتسعين ضابطاً عربياً، كما جلبت القوات الفرنسية ثلاثمائة رجل من الفرقة الكلدانية الآشورية، ودربتهم على أعمال الترجمة والإدارة، وكان نصيب البوكمال من هذه الفرقة السرجان اسحق كيكلوف الذي لايزال أحفاده يسكنون البوكمال حتى اليوم .
وقامت القوات الفرنسية بتقسيم سورية في البداية إلى دويلات في الفترة من 1920-1924 م ومنها دولة حلب التي كانت محافظة دير الزور جزءاً منها .
دخلت القوات الفرنسية البوكمال عام 1921، وفور وصولها استولت على خان النقيب وحولته إلى ثكنة عسكرية ، واستولت على مقهى صغير بجانب دار الحكومة العثمانية السابقة ونصبت فيه خيمة لمصلحة الاستخبارات الفرنسية، وقامت بسلسلة من الأعمال الإدارية والتنظيمية :
1) جعـلوا مقر الاستخبارات الفرنسية بقيادة ضابط فرنسي، ونظموا جهازاً سرياُ لجمع المعلومات .
2) طعـموا المفارز الفرنسية بعناصر محلية ، وكذلك سلك الشرطة .
3) جندوا خمسين رجلاً من أبناء المنطقة لدعم الاستخبارات، والقيام بالدوريات واعتقال المطلوبين والحراسة للمسؤولين الفرنسيين، وأسموهم العسكر السيار
( القورد موبيل).
4) شكلوا مكتباً ( للميرة ) مهمته زراعة وجمع الحبوب، أعطيت قيادته لشخص مدني، ومن رؤسائه في البوكمال ( الفردفوكو).
5) أجروا إحصاء للسكان عام 1922 م وجددت سجلات الأحوال المدنية .
6) تركوا الإدارات العامة كالقائمقامية ، والنفوس ، والقضاء الشرعي ، والأوقاف ، والبلدية بأيد عربية دونما سلطة تذكر.
نعمت المنطقة بسنتين من الهدوء المشوب بالحذر ، فقد استفاد الفرنسيون من تجربة الجيش الإنكليزي في الفرات ، فعاملوا الأهلين في البداية معاملة متميزة .. يلبون الدعوات ويحضرون الأعراس والأعياد الدينية ، ويوزعون الحلوى على الأطفال ، ويتجولون بين مضارب البدو، وينشدون الشعر الشعبي :

أبالك تراكي واحداً مايراكـــيك ولاقال قولك ولاكــيف حــالك
ان كان ماجيبك حكيماً يداويك أخوك مايمـكن يجيــــب الدوالك

والأخطر من ذلك كله تشجيع عشائر سورية للإغارة والغزو على قبائل العراق ، وقام الإنكليز بتشجيع قبائل العراق لغزو القبائل السورية.
وهذه أهم الأسباب لفترة الهدوء ، وسرعان ماتكشف الزيف بممارستهم الظلم كالانكليز وأكثر ماحرك الأحداث :
تكشف أبعاد معاهدة (سايكس - بيكو) وخروج العرب من مناصرة الأوربيين ضد العثمانيين بخفي حنين ، وتوقف الحرب والنضال بتوقف ثورة العشرين واحتلال دمشق ، ولكن هناك مجموعة من العوامل بدأت تحرك الشعور العام ضد الفرنسيين في محافظة دير الزور منها :
نشاط بقايا قيادة سنجق دير الزور التي رحلت إلى ماردين من تركيا، وتتألف من : عجمي السعدون باشا مــن عرب المنتفك ، وأيوب بك رئيس البلدية ، وتوفيق الشلبي الخبير بالشؤون المالية في دير الزور ، ونهاد باشا القائد العسكري التركي لمنطقة ماردين .
قامت هذه القيادة الاتصال سراً بزعماء العشائر ، وبالشخصيات الدينية، وأرسلت لهم القليل من السلاح ، وأخذت تؤلبهم على الفرنسيين ، وكان الفعل الكبير لعجمي السعدون ولشخصية ليبية هي الشريف أحمد السنوسي، إذ دفعت قيادة ماردين في إثر مجموعة من الرجال منهم : رجا الدندل الذي انطلق بخمسين فارساً يكمن النهار ويتحرك بالليل حتى وصل إلى ماردين وقابل السعدون وعجمي باشا ، واتفقوا على تحريك العقيدات ضد الفرنسيين ، وأوصتهم بعدم التحرك حتى يثور ( حاكم ابن مهيد ) شيخ قبيلة الفدعان من العنزة ، ثار ابن مهيد مع عشائر حلب في الفترة من العاشر من آب 1921 إلى السابع عشر من كانون الأول عام 1921 م ، واجتاح الفرات ووصل إلى مشارف حلب ، ولكن القيادة التركيةخذلته ولم تلتزم بما وعدت من المدافع والعتاد ..
ففقدت المنطقة الفراتية أي أمل بنجاح الثورة أمام تبلور السياسة الدولية والمحلية .
فشل الفيشيين .
دخلت فرنسا الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا ، ولكنها خسرت الحرب وصدمت باحتلال باريس في حزيران عام 1940 ، وسلمت قيادة الجيش الفرنسي لمجموعة الفيشيين الموالين للألمان ، وفي خارج فرنسا تشكلت نواة لجيش تحرير فرنسا حظيت بدعم الحلفاء، وخاصة من بريطانيا .
بدأ الصراع على سورية بين هاتين الحركتين الفرنسيتين (الفيشية والديغولية) لكسب ود وتأييد الجيش الفرنسي في سورية الذي يعتمد نظاماً صارماً ، ويعتمد على نفسه داخل سورية وذلك بتعداد بلغ (35417) من الرجال المزودين بأسلحة كافية بقيادة الجنرال ( دانتز) الذي التزم جانب الفيشيين في فرنسا المحتلة ، وعزز الألمان هذا الجيش بأسراب من الطائرات المقاتلة حطت في مطاري دمشق وحلب ، وبالمقابل حشد البريطانيون قواتهم على نهر الليطاني من لبنان وفي الكسوة وازرع عند مشارف دمشق ، وتأهبت القوات البريطانية في العراق لدخول سورية، ورسمت القوات المهاجمة خطة للدخول عرفت في خرائط القيادة البريطانية بخطة ( ماري ) وذلك في نيسان من عام 1941م، في وقت عجزت فيه القيادة الفيشية عن اقناع تركيا بالسماح لها بجلب التعزيزات براً من فرنسا مباشرة أما على الصعيد المحلي ، فقد شغلت منطقة البوكمال بتهريب السلاح للثورة التي كان يعد لها رشيد عالي الكيلاني في العراق مع ضباط الجيش العراقي بدعم من الألمان ، حدثت الثورة في الفترة من الثاني من أيار إلى الثلاثين من أيار عام 1941 وفشلت، فمر الهاربون من جحيمها عبر البوكمال كما مر الجرحى من المشتركين بها ، ومن بينهم : حمد صعب وحمد هلال ، كما مرت كتيبة فوزي القاوقجي عبر البوكمال من العراق إلى سورية.
وفي هذا الجو الحاسم من أيام الحرب العالمية الثانية نفذت القوات البريطانية خطة ماري المذكورة وتدفقت القوات البريطانية عبر الفرات إلى الشمال والغرب مروراً بالبوكمال ، وعندما رد الفيشيون والقاوقجي قامت القوات البريطانية بقصف المدينة بالمدفعية ، وهرب منها السكان فهدمت بعض المنازل وقتلت امرأة وتدخلت بعض شخصيات البوكمال بالوساطة لوقف القصف عن المدينة فلم تفلح وعندما دخلت هذه القوات تابعت زحفها إلى دير الزور ، وفي شمال المدينة تعرضت لقصف الطيران الألماني، وأعطيت بعض الآليات التي بقيت في شمال المدينة حتى أكلها الصدأ .
قام الفيشيون في سورية بمفاوضة بريطانيا في كنيسة القديس يوحنا بعكا، وأسفرت المفاوضات عن انسحاب الفيشيين من سوريا بواسطة البواخر من الموانئ السورية إلى موانئ مرسيليا مباشرة ،وقامت هذه القوات في محافظة دير الزور قبل الانسحاب بنسف عبارة القطعة في البوكمال ، وجسر البصيرة بالمدينة .
القيادة الديغولية
قبل نجاح سيطرة البريطانيين والديغوليين على سورية وطرد الفيشيين منها ، كان الجنرال ديغول وتحت ضغط التحرك الشعبي الكبير والثورات في كافة مناطق سوريا وعد ديغول السوريين بالاستقلال عندما تكتمل الخطة وتقف العناصر الوطنية بجانب جيوش فرنسا الحرة ، وذلك ببرقية أرسلها إلى جميل مردم بك هذا نصها :
8 حزيران 1941
عزيزي السيد جميل مردم بك:
سيوجه الجنرال كاترو في حالة دخوله إلى سورية نداء باسم فرنسا ، وقد نال موافقتي ويتضمن هذا النداء حقوق الشعب العربي في كل من البلدين باستقلال تام وسيادة مطلقة وإني لآمل منك أن تتعامل مع فرنسا الحرة ومنها الجنرال كاترو.
القائد العام لقوات فرنسا الجنرال ديغـول
وصل ديغول إلى سوريا بعد رحيل الفيشيين في 26 تموز عام 1941، والقى خطابا في جامعة دمشق، كما زار دير الزور الفرنسية، ولم يتطرق إلى وعده إلا بأسلوب غير مفهوم، أخذ يماطل فيه ويسوف، فشهدت سورية من أدناها إلى أقصاها أحداثاً دامية في تشرين الثاني من عام 1941م، وبطبيعة الحال تحملت البوكمال كغيرها من مدن سورية نصيبها من هذه الإضطرابات، وكانت المناسبة أن أوعزت السلطات الفرنسية لأحد عملاء المنطقة بإرسال برقية تأييد وشكر للقيادة الفرنسية، ويطلب من الله باسم البوكمال وعشائرها أن تبقى فرنسا في ديارنا، مما اغـضب أهالي المنطقة، فقام مخاتير المدينة والقرى بإرسال برقية معاكسة تطلب من القيادة الفرنسية الانسحاب من سورية، وتستنكر تـنصل الفرنسيين من الوعـود التي قطعـوها بالإنسحاب وإعطاء الاستقلال. قامت السلطات بإعتقال مرسلي البرقية، وفرضت عليهم الإقامة الجبرية في مقر الأمن العام الفرنسي، فقام المرحوم شريف النهار بتأمين الطعام ولوازم النوم للمعتقلين طيلة مدة الحبس الذي قضوه شهراً في المركز.
مدينة البوكمال اليوم
مدينة البوكمال اليوم من المدن السورية النشطة على نهر الفرات وقد تطورت بشكل كبير وبكافة نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والخدمية . وبها ويتبع لها العديد من القرى الفراتية وهو ريف البوكمال وتشغل المدينة اليوم مكانة تجارية مهمة لانفرادها في المنطقة ولموقعها بين البادية والريف الفراتي في هذه المنطقة ، وتنتشر فيها الاسواق والمحلات التجارية حيث يتوسط المدينة سوق كبير وتتوزع منه اسواق كثيرة مغطاه ومقببة وتعج احياء وسط المدينة بالنشاط والحركة ، في البوكمال عدد من الصناعات مثل صناعة الاثاث الخشبي وصناعة السجاد والبسط وصناعة بعض المعدات الزراعية وبعض الصناعات الغذائية ، وهناك مشاريع زراعية هامة في ريف المدينة ومرافق صحية وتعليمية وكافة الخدمات .

المرجع : ويكيبيديا الموسوعة الحرة
وللمعلومات باللغة الانكليزية :
يمكنكم الاستزادة من خلال :
  1. http://www.ugaidaat.com/About_aqedat_family.htm موقع قبيلة العقيدات - سوريا
  2. ?http://www.abokamal.com/forum/index.php موقع مدينة البوكمال - سوريا
  3. http://www.alugaidaat.com/ موقع العقيدات
ماري ميناء على نهر الفرات....
Mari Kingdom 1 - Abu kamal -Syria

هي مملكة ماري ((تل الحريري)) قرب منطقة البوكمال شرق سوريا في الوقت الحاضر ، وهي مناطق الفرات الأوسط ووديان نهر الخابور حتى وصلت إلى منطقة هيت شمالا ، وكانت تحت سيطرة الدولة الاكدية (( د.طه باقر / مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ج 1ص420)) .
كانت مدينة مهمة جدا خضعت لمملكة أور الثالثة ويقول الأستاذ فوزي رشيد: مدينة ماري هي خاضعة للسيطرة المدنية والعسكرية إلى مملكة أور الثالثة بقيادة أول حاكم لمدينتها (( يكد ليم)) الذي حكمها في النصف الأول من الألف الثاني للقرن التاسع عشر قبل الميلاد ، والمعلومات التاريخية تشير إلى أن المدينة تمثل حضارة مزدهرة أنارت بتطورها وقوانينها وتجارتها العالم القديم ، وهي مركز تجمع القبائل الخارجة من بلاد الرافدين .
وسلالة أور الثالثة التي أسسها الأمير الشهير (( اورنمو)) وبلغ عدد ملوكها 5 ملوك حكموا السلالة أكثر من مائة عام هذه السلالة اشتهرت بتعمير وبناء البلاد وإعلاء مجد سومر إلى البلاد من خلال التداول وتقديم الالهه السومرية على غيرها من الالهه وإقامة الشعائر الطقسية السومرية القديمة التي كانت تعلي الشأن منهم.
وقد تقدمت الحضارة في هذا العهد تقدما محسوسا وانتشرت المعارف والفنون والآداب والعلوم وتنال قسطا وافرا من العناية حتى أصبحت قبلة الشرق القديم .
مدينة ماري نطلق عليها جسرا تمر عليه موجات الهجرة في قدومها من الغرب إلى بلاد الرافدين ، وكان ملوكها ذو سلطة ونفوذ قوي حتى على مدن جنوب العراق وحتى في عصر فجر السلالات وبالرغم من خضوعهم للنفوذ الاكدي وتم لبعضهم الاستقلال في العهد البابلي القديم وفي زمن ملكهم (( زمري لم )) كانت الكفة لهم ولكن تقدم الملك حمو رابي عليهم ، لم يدع لهم مجالا بل حاربهم الواحد بعد الاخروقضى عليهم جميعا جميعا الواحد بعد الاخروقضى عليهم جميعا.
موقع المدينة على نهر الفرات جعل من ملوكها الاهتمام بالتجارة ولاسيما ربط المدينة بمصر وبلاد الشام لكن نفوذ الدولة الآشورية جعلها تواجه صعوبات بالرغم من استقلالها لفترة قصيرة وبعدها خضعت تحت سيطرة الملك حمورابي وانتهت المدينة في عصر الملك (( زمري لم)) .
قصر الملك (( زمري لم))
تبلغ مساحة القصر حوالي هكتارين ونصف ويضم حوالي / 300 / غرفة وباحة كان يؤلف مدينة داخل مدينة محاطة بسور ضخم أبعاده 200 / 120 م 0‏
ويتألف القصر من قسمين شرقي وغربي وتقع المكاتب والإدارة في قسمه الشمالي الغربي حيث يوجد سكن الملك وعائلته 0‏
أما مدخل القصر وهو الوحيد في جداره الشمالي ويتألف من غرفة واحدة يرتفع على جانبيها برجين دفاعيين يتقدمها مدرج مبلط بالحجارة ثم تليها غرف متتالية وممرات متعرجة يصل المرء من خلالها إلى باحة سماوية هي اكبر باحات القصر أطلق عليها اسم باحة النخيل وقد ذكرت في احد الرسوم الجدارية في القصر تبلغ مساحتها / 49 ? 33 م / مبلطة باجر مربع ومن خلال هذه الباحة يتم الوصول إلى مختلف أقسام القصر كما خصصت قاعات لجلسات الملك تطل من خلال باب عريض على غرفة يوجد فيها منصة منخفضة تدل على موضع العرش وهناك قاعات أخرى للاحتفالات الدينية 0‏
جداريه تنصيب الملك (( زمري لم )):
الرسم الجداري في باحة القصر كان يمثل إبلاغا ملكيا كون تضايف مكان وجوده كخلفية لعرش الملك نفسه ، وهذا برأي الكاتب اخذ يعزز الرسالة التي يبثها الرسم الجداري نفسه ، ويحتوي على مفردات وعناصر حددت ضمن مجال التقابلات المتناسبة والمتعددة الجوانب، تلك التقابلات ألمحت الجانب التقني والأدائي للفنان في أن يؤسس قيم لونية ، وشكليةللاشارة التي تعطي إلى خلاصة الفكر المهم والنبيل لحكم ملكي في ارض الرافدين والذي يحمل الهيمنة الملكية الإلهية الغير متداخلة مع الأوجه المتعددة للعلامات الأخرى (( تقابل-متعدد --- متناسب)) مقابل إلى (( الطيور وأشجار النخيل الماء)) اى (( الأسد - الحلقة-الصولجان))كل هذه سجلت ضمن الطبيعة التواصلية للمشهد ، هذا النسق بدا يتحاشى كل صور التعقيد ولابد أن يحتل مرتبة مفهوميه متقدمة من قبل عامة الشعب، بالرغم موت وجود التقابلات الثابتة التي لاتسمح التجريد ولا الاختزال كونها مثلت مصدر القوة، الأسد والحلقة والصولجان اكتسبت قيمة المنع بعدم العبث بهذا الرمز الإلهي ولا يكون صورة دارجة ضمن الصور ، ولكنه اكتسب قيمة التبادل وقيمة المنع في نفس الوقت .
وهنا يعطي الزميل يعرب العبد الله في صحيفة الفرات وصف تقني ناجح بالإمكان الاستعانة به: إن أهم ما يشتهر به قصر الألف الثاني ق.م، في ماري الرسوم الجدارية
التي دلت على إتقان رفيع لفن الفر يسك منذ ذلك الزمن الباكر، فلقد عثر على الرسوم في العديد من قاعات القصر (القاعات 132 ، 106 ، 220 ، 34) وكانت‏
بقاياها مبعثرة، وقد أمكن ترقيمها وإعادة ترتيب مشاهدها.‏
لقد استخدمت في رسم هذه المشاهد الألوان البيضاء والسوداء والحمراء على‏
خلفية من الملاط الكلسي، وقد عولجت الموضوعات بشكل امتزجت فيه التأثيرات السومرية - الاكدية ، فظهرت لوحة متميزة فيها الكثير من الإبداع والتجديد.‏
على جدار القاعة رقم (106) بجانب لوحة التنصيب الشهيرة رسم مشهد أسماه المنقب لوحة التضحية (La Sacrifice ):‏
لقد نفذ المشهد على طبقة سميكة من الكلس وهو يظهر موكباً يسير على رأسه رجل مهيب أكبر من الجميع بردائه المشرشب وقبعته المميزة، ويسير خلفه ستة رجال أصغر يرتدون لباساً مشابهاً للرجل الرئيسي ويقودون ثورين زينت قرونهما بطبقة من رقيقة من الذهب.‏
إن التشابه بين ملابس رجال هذا الموكب ورداء الملك شمشي حدد الأول الذي‏
ظهر على مسلة من حجر البازلت وجدت في ماردين، ومع أعمال آشورية أخرى معاصرة،‏
جعل الدارس ينسب هذه الرسوم إلى عصر هذا الملك عندما كانت ماري تابعة له وتحكم من قبل ابنه يسمح حدد /1800 - 1870 ق.م/ قبل أن يستعيد العرش فيها زمري ليم إن أهم وأكبر رسم جداري في ماري هو المشهد الذي ظهر على القسم اليميني من القاعة ( 106 ) أي على الباب الموصل لقاعات العرش ( 64 ، 65 )، لقد وجد‏
هذا المشهد بحالة أفضل من البقية وقد أسماه المنقب مشهد تنصيب زمري ليم ( l'Investiture ) ونسبه إلى زمن حكم هذا الملك /1775 - 1761 ق.م/:‏
لقد نفذ مشهد التنصيب على طبقة رقيقة من الكلس الناعم واستخدم فيه‏
ثلاثة ألوان (أبيض - أسود - أحمر ) ضمن إطار كبير /250 × 175سم/ رسمت المشاهد في ثلاثة حقول طولا نية عاموديه، مشهد التنصيب الرئيسي في الوسط يحيط فيه من الجانبين مشهدان متماثلان، ولقد وزعت المشاهد في الحقل الأوسط في حقلين أفقيين مستقلين، وقد يرمزان إلى شكل المعبد، ففي الحقل الأعلى نرى الملك زمري ليم بردائه المشرشب الجميل الذي يشبه الرداء الذي ظهر في مشهد التضحية، وعلى رأسه القبعة الملكية )، ويستلم باليد اليسرى الحلقة والعصا‏
رمز السلطة من الربة عشتار التي تقف على حيوانها المفضل الأسد، ويرفع هذا الملك يده اليمنى محيياً بينما تقف خلف الربة عشتار وزمري ليم آلهة أخرى‏
تراقب المشهد وتباركه، وفي الحقل الأسفل ظهر مشهدان متماثلان تماماً‏
ومتقابلان، فيهما ربتا ينبوع متقابلتان ترتديان ثوباً مهدباً تحملان كل منهما‏
إناء تخرج منه المياه ترافقها النباتات والأسماك رمز الحياة، ويحيط بمشاهد‏
الحقل الأوسط كما ذكرنا مشهدان متماثلان نرى فيهما شجرة نخيل طويلة تحرسها ثلاثة كائنات خرافية مجنحة يليها شجرة أخرى يتسلق عليها رجلان ويفر منها طائر مذعور وخلف الجميع تقف آلهة ترفع يديها بابتهال تبارك المشهد وتحميه.‏
ويرى الكاتب ان وظيفة المشهد هو الابلاغ عن اختيار الالهه للسلطة الملكية الارضية والمباركة الواضحة في عملية التنصيب وبذلك توظفت هنا الفكرة الملكية مع السلطة المنبثقة لكي تحقق اول دعامات استلام زمام الامور من خلال قيادة المدينة وهي بحاجة الى قوة مسؤولة تنظم عملية الادارة وارتباط سلطة الملك بالالهه.
والتحليل العلمي في فلسفة الفن اثبت ان الجدارية لها سياق مهيمن ، يوضح شخصية الملك البطل لتبلغ مكانته في قيادة المدينة بجواز من الاله حيث عرضت الجدارية خلف العرش هذا لعب دورا بارزا وفاعلا في اعطاء فرصة بث حي ونقل مباشر يقول ان الاشكال هي ذات قيم تعبيرية ومفاهيم ذات نشاط انساني، في الفكر الاجتماعي ليرضي الحاجات التعبيرية لدى الشعب، ولعل خير شاهد الذي يبثه المشهد هو الارتكاز على الشخصية الحاكمة .






















Mari Kingdom 2- Abu kamal -Syria



مملكة ماري

مملكة ماري احدى ممالك الحضارات السورية القديمة التي ازدهرت في الالف الثالث قبل الميلاد .
ذكر علماء الأثار والمراجع التاريخية والباحثون أن حضارة مزدهرة انارت بتطورها وقوانينها وتجارتها العالم القديم هي مملكة ماري التي قامت في سوريا حوالي عام 2900 قبل الميلاد ، وكان تأسيس هذه المملكة عن طريق سلطة اجتماعية وسياسية ملكية كان لها حضور قوي وموقع دعم في المنطقة على نهر الفرات في سورية ، فقامت حضارة عريقة متأصلة ارتقت بين الحضارات هي ماري ، وكان لمدينة ماري عاصمة المملكة دور هام في الطريق التجاري الذي يتبع مسلك الفرات في سورية الداخلية . ويعتقد أن الخارطة الجغرافية المتغير للمنطقة آنذات حفزت نشوء كثير من المدن الجديدة، من جانب سورية من الساحل إلى الداخل وبلاد الجزيرة السورية ومابين النهرين ، فكانت ماري ميناء على نهر الفرات ترتبط مع النهر بقناة مجهزة للملاحة النهرية وأستقبال المراكب والسفن التجارية ، ضرورة كواصلة بين الطرفين فهي تتوسط المسافة بينهم ، فقامت وازدهرت حضارة من أهم الحضارات القديمة لذلك تمت العناية بعاصمة المملكة وهي مدينة ماري ومرافقها لتكون أحد أهم الحضارات المتطورة .

مخطط مدينة ماري

مخطط مدينة ماري الاصلي كان على شكل دائرة قطرها 19 كم رسمت وخطط لها كأفضل تخطيط لمدينة ملكية ، كان للمدينة ميناء يتصل بقناة مائية مجهزة مع النهر ( نهر الفرات ) تؤمن الماء وتسهل وصول السفن التي كانت تبحر من ماري واليها . وكانت المدينة محاطة بسور من كافة جهاتها عدا جهة النهر حيث كان المخطط الأصلي للمدينة على شكل دائرة كاملة تخترقها قناة متفرعة عن الفرات تؤمن جر المياه إلى المدينة وتسهل وصول السفن إلى المرفأ التجاري . ونلاحظ أنه تم بناء السور ، ثم شيدت الأبنية داخله ، وكان التوسع العمراني يتجه من المركز إلى السور . مع ملاحظة أن السور يحيط بكافة جهات المدينة عدا الجهة التي على الفرات . وكان د. بشار خليف (باحث سوري) قد كشف للمرة الأولى عن وثائق مملكة ماري الواقعة على الفرات بعد 74 عاماً من العثور عليها وترجمتها ودراستها من قبل الباحثين في الحضارات السورية القديمة في عدد من الجامعات الأوروبية. وللمرة الأولى يطلع الجمهور السوري والعربي على تفاصيل حياة هذه المملكة التي أنشئت في منطقة الفرات الأوسط (شرق سوريا) في الألف الثالث قبل الميلاد وكونت حضارة قوية كان لها علاقاتها وصلاتها مع باقي الحضارات والممالك في سوريا وبلاد مابين النهرين والاناضول . وتحدث صاحب كتاب مملكة ماري - د. بشار خليف في محاضرة له في دمشق عن المعطيات العامة التي أدت إلى نشوء أو إنشاء مملكة ماري على الفرات الأوسط، وركّز على أن مدينة ماري عُمّرت وأُنشئت وفق مخطط مسبق وذلك نحو 2900 قبل الميلاد.
تضمنت محاضرة الباحث السوري بوجوب زيادة الاهتمام بهذه المملكة التي اكتشفت في العام 1933 ميلادي وتعاقبت عليها بعثات التنقيب الاثرية السورية والاجنبية ، بحيث انها بحاجة لمزيد من المراجع التي تتحدث عنها بصورة أكثر شمولا ولاسيما المؤلفات التي تنطق بالعربية وبعقل سوري أو عربي علما ان الكثير من الم}لفات والمراجع الاجنبية وبلغات عديدة صدرت ماري وضمن سلسلة الحضارات السورية .

وثائق ومخطوطات ماري

اكتشف في ماري الكثير من المخطوطات والوثائق التي تدل على مدى الرقي والتطور التي ساد المملكة ، ومن الوثائق اللافتة لمملكة ماري رسالة من حاكم المدينة إلى ابنه يستخدم فيها مثلاً شعبياً عربياً لا يزال دارجاً حتى اليوم وهو كما ورد في الوثيقة التي تعود إلى أكثر من أربعة آلاف عام «الكلبة من عَجَلَتها ولدت جراءً عمياناً». وتحدث د. خليف عن بيوت ماري المصنوعة من اللبن والتي تشبه البيت الدمشقي ، أما عن طبيعة الحياة الاجتماعية الاقتصادية في ماري، فأشار إلى وجود جمعيات ونقابات وتنظيم وصل إلى درجة كبيرة من التقدم ، فهناك غرفة تجارة ماري واسمها «كاروم» من جذر «كار» ويعني مهنة . كما كان هناك فرق موسيقية.
قدمت وثائق مملكة ماري السورية معلومات عن وجود جمعيات للفقراء والمساكين كان يُطلق عليها اسم «الموشكينوم» بمعنى المساكين وهذا يدل على مدى الرقي الانساني والحضاري للمملكة . وفي مجال الحرف الصناعية أظهرت وثائق ماري وجود 11 نوعاً من الزيوت، وهناك مستودعات للثلج. كما أن هناك في ماري 10 أنواع من العطور، ويشير المؤرخ الفرنسي جان بوتيرو إلى أنه في وثائقه تبين له أنه في ورشات ماري كان يصنع نحو600 لتر من العطور شهرياً. وكانت تصدر العطور إلى كافة البلدان .
كما دلت الوثائق على وجود 26 نوعاً من الحلي والمجوهرات، و 31 نوعاً من أواني الشرب، و 21 نوعاً من الألبسة الداخلية، كما استخدمت الستائر والبطانيات وأغطية الأسرّة. وعن نهاية مملكة ماري أشار الدكتور خليف إلى أن موت ملك أشور شمشي أدد فسح المجال للفاعلية العمورية في بابل عبر حمورابي من أن تتبلور وتضم إليها آشور ثم بلاد بعل يموت في بلاد الشام ومن ثم بدأ نجم مملكة ماري في العام 1760 قبل الميلاد بعد نحو 1140 سنة بألافول بعد ان كانت منارة من الحضارة الروحية والمادية والاقتصادية والصناعية والاجتماعية .
فصل من الكتاب "مملكة ماري وفق أحدث المكتشفات الأثرية2900 -1760ق.م" للدكتور:بشار خليف

ماري ورقي الحضارة الأنسانية

ماري ورقي الحضارة الانسانية
لعل الخوض في تاريخ ماري على الفرات الأوسط والتي امتدت فعاليتها التاريخية الحضارية لما يزيد على خمسة الألف عام / من حوالي 3000-1760ق.م / ، تدفعنا إلى البحث في العوامل والمعايير التي أدت إلى اعتبار الألف الثالث قبل الميلاد ،مفصلا أساسيا في حركة تطور الاجتماع البشري في سورية والمشرق العربي آنذاك حيق كانت هناك الكثير من الممالك والمدن في منطقة الجزيرة السورية والتي تعد من اقدم الحضارات الانسانية على الاطلاق . ولعل هذا التطور لم يكن ليحصل إلا عبر استناده على مجمل حركة التطور والرقي التي شهدها المجتمع الانساني في الشرق منذ نقطة انعطافه الأساسية التي تكمن في ابتكار الزراعة في الألف التاسع قبل الميلاد في سورية. فمن عالم الزراعة ومفرزاته أصبحنا أمام معادلات حضارية جديدة أدت فيما أدته إلى توالد منجزات ساهمت في تفعيل الحياة الإنسانية في كافة أوجهها الاقتصادية _التجارية الاجتماعية _الاعتقادية والحرفية والفنية.
وعلى هذا نستطيع فهم مقولة الباحث جاك كوفان من أن المعنى التقليدي لنشوء الزراعة يرتكز في معياره الحاسم على إنتاج المعيشة وأنه بهذا الإنتاج ،إنما بدأ في الواقع صعود المقدرة البشرية التي ليست حداثتنا سوى ثمرة لها الجدير ذكره هنا هو أن ابتكار الزراعة لأول مرة في التاريخ البشري ، تم في المشرق العربي وتحديدا من المنطقة الممتدة من الفرات الأوسط مرورا بحوضة دمشق وحتى مناطق جنوب سوريا . ولتبيان أهمية هذا المنجز على صعيد الحياة الإنسانية فلا بد أن نحدد الآفاق التي فتحها هذا الابتكار:
  • أولا :إن الاستقرار الذي وفرته الحياة الزراعية أدى إلى إحساس المجتمعات القديمة بالسلام والطمأنينة ما أدى إلى ازدياد أعداد أفرادها وتوسع مواقعها إلى مستوطنات زراعية أخذت تكبر باطراد مع الزمن مؤدية إلى منجز نشوء المدن الأولى وهو ما تمّ في المشرق في النصف الثاني من الألف الرابع قبل الميلاد.
  • ثانيا: إن ما وفرته الحياة الزراعية من منتج ومردود دفع إلى التبادل التجاري النشط وتطور
عالم التجارة ما أدى إلي ازدهار المواقع وغناها وهذا يستتبع توسعها وزيادة فاعليتها الاجتماعية والاقتصادية.أدى هذا المنجز وفق مقولة " الحاجة أم الاختراع " إلى استنباط وسائل أولية للعدّ تسهل من التبادل التجاري والسلعي ما اعتبر بداية لعلم الحساب والعدّ . و* سوف تتوالى المظاهر التطورية لهذا الأمر وصولا إلى بدايات الكتابة، المتجلية في الكتابات التصويرية وذلك في النصف الثاني من الألف الرابع قبل الميلاد.
  • رابعا: لا بد أن يؤدي ابتكار الزراعة إلى تطور تقنيات الصناعات الحرفية والفخارية بما سيساهم في تطور الفنون في مناحيها المجتمعية والفردية . وان تراكم الخبرات التقنية عبر العصور هو الذي أدى إلى الدخول في عالم استثمار المعادن بدءا من النحاس فالبرونز ثم الحديد مرورا بالقصدير والفضة والذهب.
  • خامسا: إن نشوء الزراعات المروية جعل المجتمعات تنظم وسائل الري وجرّها عبر السواقي أو السدود أو الأقنية ، ما اقتضى انبثاق سلطات مجتمعية تنظم هذه الأعمال وما أدى ذلك إلى نشوء السلطة في المجتمعات القديمة عابرة من السلطة المعبدية إلى السلطة الزمنية التي أكّدت انفصالها عن سلطة المعبد مع نشوء مدن الدول في الألف الثالث قبل الميلاد.
يقول الباحث بوهارد برينتس :"إن التطور الذي أدى إلى الثورة العمرانية ونشوء المدن الأولى /في نهاية الألف الرابع قبل الميلاد / لم يكن ليحصل إلا نتيجة لظهور الزراعة وتطورها وتقسيم العمل في الحرفة والزراعة وظهور التجارة .وان النمو الكبير لمردود العمل / حيث أنه في الزراعة ، ازداد الإنتاج خمسة أضعاف عما كان عليه في مرحلة الصيد / أدى إلى زيادة سريعة في عدد السكان ، ما أدى إلى ظهور المدن الكبرى وبروز أشكال جديدة في حياة المجتمع"
إذن نصل من كل هذا إلى أن ثمة تواصلية في المنجز الحضاري ل سورية والمشرق العربي القديم، ولعل التوالد الحضاري للمنجز هو الذي أدى إلى سلسلة واحدة من الإبداعات الحضارية.. فالزراعة أدت إلى الاقتصاد الحضاري والزراعة أدت إلى تعميق وتنظيم وانتظام العلاقات الاجتماعية ، وهي التي ساهمت في الازدهار والغنى الذي أدى إلى أوجه النشاط الاقتصادي التجاري ، ما أوصل تلك المستوطنات إلى الاتساع والكثافة السكانية وبالتالي نشوء المدن الأولى . وهو الذي أدى إلى بزوغ عالم الرياضيات في نواتها البسيطة ثم نشوء الكتابات التصويرية وتطورها إلى الكتابات الأبجدية فيما بعد.
ولا بأس من رصد أوجه الحياة في سوريا للفترة الممتدة بين منتصف الألف الرابع قبل الميلاد، لتحديد المعايير والقواعد الأساسية التي أدت إلى نشوء المدن الأولى في المشرق العربي.

نشوء المدن وظهور الزراعة

سورية المشرق العربي بين ظهور الزراعة ونشوء المدن الأولى: الألف التاسع ق.م _ 3500ق.م: مع الألف الثامن قبل الميلاد نلاحظ أن الزراعة شملت معظم مواقع مناطق شرق سوريا فهي من اقدم مناطق الاستيطان البشري في التاريخ ، بالإضافة إلى تطور تدجين الحيوان التي بدء من هنا من قلب الجزيرة السورية. وقد لوحظ أن النمط المعماري للمساكن قد أخذ بعدا جديدا عبر التصاق المساكن ببعضهاالبعض، ما يعطي انطباعا بمعالم الاستقرار الدائم،وهذا ما يستتبع تعميق أواصر اللحمة الاجتماعية وترسخ التقاليد المجتمعية بحيث أن عالم الزراعة خلق إيقاعا مجتمعيا تبعا لإيقاع الطبيعة والفصول، وهذا ما انعكس في الذهنية المجتمعية وما تبدى من نشوء الأساطير الشفوية الخصبية وعوالمها الاعتقادية.
ولعل التطور المتبدي في أوجه النشاط الزراعي، والتعاون الاجتماعي المنبثق عنه أدى إلى تطورات في استخدام وسائل الري الصناعي عبر الأقنية والسدود والسواقي، وهذا سوف يؤدي إلى نشوء الزراعات المروية كالكتان مثلا ، وهذا نجده قد تغفّل في حدود 6500ق.م. وفي هذه الفترة أصبحنا أمام تطور معماري صحي ، تجلى في إنشاء أقنية للتصريف داخل المنازل. وهنا لا بد أن نشير إلى موقع بقرص في سورية والعائد إلى /6500-6000ق.م / ويعد من اقدم المواقع الاثرية في العالم . أبان عن نشوء أول قرية منتظمة بشكل مبكر ، حيث أنشئت وفق مخطط معماري مسبق.

موطن الحضارة

الفترة الممتدة بين 6000-3500ق.م ، اكدت الممالك السورية والمكتشفات على ان سوريا هي موطن الحضارات في المشرق فمثلا ان موقع الكرم في البادية السورية، قدّم دليلا على ممارسة الزراعة المروية عبر جرّ المياه من الينابيع أو الأنهار /الفرات/. وهي من اوائل المواقع والتي دجنت الحيوانات وعرفت الزارعة . ولعل الاستقرار الذي أمنته حياة الزراعة أدى إلى ابتكارات و تقنيات جديدة في كافة المجالات . وتنبغي الإشارة إلى أن مواقع المجتمع المشرقي استخدمت المعادن ولا سيما النحاس منذ الألف الخامس قبل الميلاد . ومع حوالي 4500 ق.م سوف نجد مواقع الجنوب الرافدي وتبعا لاشراطات البيئة الطميية والمستنقعية تعمد إلى تكييف الوسط الطبيعي بما يلائم احتياجاتها فقد قام سكان هذه المواقع بمكافحة ملوحة التربة ، وتجفيف المستنقعات ومارسوا الزراعة المروية بإتقان ، ولعل استخدامهم لتقنيات الري الصناعي حتّمت نشوء سلطة مجتمعية وبنى اجتماعية متطورة وهذا ما أدى إلى تأسيس أولي للقاعدة المادية الاجتماعية لنشوء المدن الأولى مع نهاية الألف الرابع فبل الميلاد .
وعلى هذا يقول برنيتيس: إن الفترة الممتدة بين نهاية الألف الرابع قبل الميلاد وبداية الألف الثالث قبل الميلاد (فترة قيام مملكة ماري ) ، تلعب دورا خاصا في تاريخ البشرية ، ففي هذه المرحلة قامت سلطة الدولة التي هي نتاج حركة المجتمع وتطوره.
  • سورية وما حولها في منتصف الألف الرابع قبل الميلاد 3500 ق . م:
مع حلول منتصف الألف الرابع ، أصبحنا أمام محددات عدة أدت فيما أدته إلى نشوء المدن الأولى في سوريا والمشرق . فالتطور الاجتماعي _الاقتصادي _التجاري _ الذهني شكّل رافعة حضارية مستمرة منذ نشوء الزراعة حتى هذا العصر. فكان طبيعيا أن نصبح أمام مجتمعات مركبة ذات علاقات حياتية معقدة فرضت وجود سلطات سياسية ولو في طورها الابتدائي بالإضافة إلى بدايات التواجد المؤسساتي للفاعليات التجارية والاقتصادية والحرفية. وكل هذا يندغم بشكل متجانس مع تضخم العمران والتمدن حيث بتنا في مواقع هذه الفترة نعثر على معابد ضخمة . ولعل مواقع الجناح الشرقي للمشرق العربي تؤكد ما ذكرناه آنفا ، فمن موقع مدينة أوروك إلى أريد ومرورا بتبة غورا أما مواقع الجناح الغربي فنجد تل براك وتل حلف في الجزيرة السورية العليا ومواقع مدن حبوبة الكبيرة الجنوبية وعارودة وتل قناص. وتشير الأبحاث الأثرية والتاريخية إلى تشابه النمط المعماري لمعابد تلك المواقع فيما بينها. ويبدو وأن الخط الحضاري للمشرق العربي آنذاك تطور متزامنا بين المواقع الرافدية والمواقع الشامية وهذا ما يوثق في بواكير نشوء الكتابة في نهاية الألف الرابع قبل الميلاد. وبالاتجاه نحو الربع الأخير من هذه الألفية نجد ظهور الأختام الاسطوانية التي ابتكرت نتيجة الحاجة لها في التبادل التجاري والسلعي لكافة أوجه الحياة التجارية الزراعية والحرفية والحيوانية. حيث بتنا في هذه الفترة أمام أختام اسطوانية تخّتم البضائع وتحمل أسماء أصحابها. الجدير ذكره هنا ، هو أن مدينة حبوبة الكبيرة الجنوبية أنشئت على الفرات وفق مخطط مسبق ودقيق. وقد أحيطت بسور طوله 600 متر وعرضه ثلاثة أمتار. إن صفة المخطط المسبق للإنشاء والسور الواقي للمدينة سنجدها مكررة في نشوء مدينة ماري مع مطلع الألف الثالث وكذلك في تل الخويرة وابلا وغيرها من الحضارات السورية القديمة . وتشير الدراسات التاريخية إلى أن الواقع الديمغرافي في هذه الفترة كان يشمل السومريين والأكاديين، حيث يلاحظ تواجد أكادي إلى جانب السومريين منذ ذلك الوقت وهذا ما تؤكده معطيات الوثائق والاكتشافات الأثرية الحديثة . / د. سلطان محيسن 1994 / . ويشير الباحث برينتس إلى أن السومريين وحين جاؤوا إلى المشرق العربي / الرافدي ( سوريا والعراق ) / في أواسط الألف الرابع قبل الميلاد ، أكملوا ما كان بدأه العبيديون /4500 _3500 ق.م / وقد دل على ذلك بأن الكتابة واللغة السومرية احتوت على كلمات كثيرة مقتبسة ممن قبلهم ، بالإضافة إلى أن الكثير من أسماء الآلهة السومرية مأخوذة من لغات الشعوب التي سكنت الرافدين قبل السومريين.
كذلك يشير الباحث إلى أن المدن السومرية كلها تقريبا تحمل أسماء غير سومرية وتعود في أصولها إلى الحضارات التي سبقت السومريين / العبيديون / وغيرهم من الحضارات السورية في المنطقة . وباطراد ومع اقترابنا من نهاية الألف الرابع قبل الميلاد ، فإننا نجد أن مدن المشرق الأولى تمتلك مصالح اقتصادية _ تجارية حتمت نشوء السلطة الزمنية بديلا عن سلطة المعبد بحيث بدأت تنظم فاعليات الحياة المشرقية بما يتلائم مع تطور المجتمع في مواقعه المتعددة . وسرعان ما نجد أنه مع نهاية الألف الرابع قبل الميلاد ، مثل بعض المدن في شمالي شرق سوريا : تل العشارة _ تل ليلان _ تل براك وغيرها من مدن سورية قديمة . و نلحظ ظهور الموازييك في معبدها كأول ظهور له في المشرق . الجدير ذكره هنا .. هو أن في هذه الفترة كانت الكتابة تخرج من عالم الحساب والعدّ باتجاه نشوء الكتابات التصويرية ومن ثم تحّول الصورة إلي رمز له قيمة صوتية مجردة . بحيث أصبحنا أمام ظهور لكتابات تسجيلية اقتصادية الطابع تحمل فواتير وسجلات لمواد واردة أو صادرة عن المعابد . ومع مطلع الألف الثالث قبل الميلاد سوف نلاحظ أن مملكة ماري السورية بدأت إنشاء مدينتها وفق مخطط مسبق وداخل سور على الفرات الأوسط بادئة الخط الحضاري لسورية في عصر الكتابة . يقول جان كلودمارغرون : " لقد سمح نهر الفرات لسورية أن تشرع بعملية التمدن ، ذلك أنه يسّر لها التطور من خلال العلاقات التجارية انطلاقا من المدن السومرية في الألف الرابع قبل الميلاد . وهو دائما وأبدا وللأسباب ذاتها الذي ضمن تطور سورية الداخلية في الألف الثالث قبل الميلاد " .
إنشاء مدينة ماري 2900 ق.م مدن المشرق العربي مع مطلع الألف الثالث قبل الميلاد : مع حوالي 2900 قبل الميلاد سوف نجد أننا أمام ظهور لمدن جديدة، بالإضافة إلى استمرارية لمدن من العصر السابق. فإلى جانب أوروك نجد كيش _ أور _ لجش _ شوروباك _ أدب في الجناح الشرقي، في الجناح السوري فسنجد مملكة ماري وتل الخويرة بالإضافة إلى وجود مواقع ك ابلا و أوغاريت وغيرها من ممالك ومدن سوريا القديمة.
أما البروفيسور مارغرون فيؤكد أن ماري حسب الاعتقاد القديم هي عاصمة سومرية ولكن الأبحاث الحديثة تظهر أن ماري تمتلك صفات خاصة بها والى جانبها صفات سومرية وسورية قديمة .
ولعل من أهم خصائص دورة حياة هذا العصر: أولاً : حصول تطور في مجال العمران وتقنياته مما أدى إلى توسع المدن وتلبية النظام العمراني لحاجات السكان المادية والروحية. ثانياً: انفصلت السلطة المعتقدية عن المجتمع =عمرانيا، بحيث أصبحنا أمام معابد مفصولة عن المحيط المديني ففي العصر السابق أبانت مواقع مدن أوروك وحبوبة الكبيرة الجنوبية وعارودة وقناص أن المعابد كانت تقام في أحياء خاصة. مع ملاحظة أنه عثر في مملكة ماريعلى معابد الألف الثالث ومعبد مرتبط بالقصر الملكي /قصر معبد/ الذى يعد من أكبر القصور في الممالك القديمة ، ما يشي باستقلالية ما عن الخط المعماري الذهني الاعتقادي الذي كان سائدا ثالثاً: في مجال الحياة الفنية أصبحنا في هذا العصر أمام ظهور لاتجاهات فنية جديدة، سواء في الاسلوب أو المعالجات أو مواضيع المجالات الفنية . كل هذا تحقق في الفسيفساء والنقش على الأختام وصناعة الفخار. رابعاً: لعل من أهم ما يميز هذا العصر هو توطد دعائم السلطة الزمنية وانفصال السلطة المعتقدية عنها، ونشوء مؤسسات تعنى بأوجه الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتجارية والحرفية.
يقول الباحث مارك لوبو: إن الإشغال البشري في سورية والمشرق العربي في الألف الثالث قبل الميلاد، كان أثره ملموسا في منحيين: الأول في الزراعة والثاني المتولد عن الأول والذي يتجلى في التجمعات المدنية وبناء الحضارات . إن هذين المنحيين يتميزان في الانتشار الواسع والعميق بحيث بتنا أمام بنى اجتماعية واقتصادية لجماعات بشرية ومدن وممالك وصلت لمراحل متطورة في كافة المجالات التجارية والصناعية والفنية والاجتماعية وفي التنظيم والعلاقات والقوانين والتجارة وجميعها كانت من صفات مملكة ماري التي ارتقت بين الحضارات السورية القديمة .

المصدر :ويكيبيديا http://ar.wikipedia.org

موقع جمعية ماري للثقافة والفنون http://maryforculture.com/index.php

كتاب ماري لـ : أندريه بارو

16 مايو 2009


بسم الله الرحمن الرحيم

هي البداية انشاء الله وكما خرجت هذه النبتة بأزهارها الجميلة من بين الصخور وكتل الخرسانة ستزهر كلماتنا بكم.

سومري